معلومات أساسية
يعد الرق وتجارة الرقيق ضمن أسوأ انتهاكات حقوق الإنسان فى تاريخ البشرية. لقد كانت تجارة الرقيق عبر الأطلسى أمرا فريدا فى تاريخ الرق ويرجع ذلك لطول أمدها (أربعمائة عام) وحجمها (قرابة 17 مليون شخص باستثناء أولئك الذين لقوا حتفهم فى أثناء نقلهم) وكذا إضفاء الشرعية فيما تضمنته قوانين ذاك الوقت.
لقد شكلت تجارة الرقيق عبر الأطلسى أكبر عملية ترحيل فى التاريخ وغالبا ما يشار إليها على أنها النموذج الأول للعولمة. وبامتدادها منذ القرن السادس عشر إلى القرن التاسع عشر، فقد شملت مناطق وقارات متعددة: أفريقيا وأمريكا الشمالية والجنوبية، وأوروبا والكاريبى وتسببت فى بيع ملايين الأفارقة واستغلالهم من قبل الأوروبيين.
التجارة ثلاثية الأطراف
تغادر السفن المحملة بالبضائع التجارية كالبنادق والمشروبات الكحولية والخيول الموانئ الأوروبية متجهة إلى غرب أفريقيا، حيث يقومون هناك بتبادل هذه البضائع مقابل أفارقة مستعبدين. ويكون هؤلاء المستعبدون إما أسرى من الحروب أو ضحايا للتجارة المحلية المزدهرة فى أسر العبيد وبيعهم.
ثم تبدأ السفن المشحونة بالعبيد الأفارقة رحلتها عبر "الممر الأوسط" متجهة إلى المستعمرات الأمريكية والأوروبية فى الكاريبى وأمريكا الجنوبية. ولنقل أكبر عدد من العبيد، عادة ما كان مكان المسافرين الأقل تكلفة من السفينة. وأشار تقدير إلى أن واحدا من بين كل ستة عبيد قد لقى مصرعه فى هذه الرحلة بسبب الظروف العسيرة وغير الصحية.
وبعد بيع العبيد الناجين، تعود السفن إلى أوروبا حاملة البضائع التى قام العبيد بإنتاجها كالسكر التبغ والقطن وشراب الروم والقهوة.
تبرير منظومة الإستعباد
لطالما كانت تجارة العبيد عبر الأطلسى منظومة اقتصادية شاملة وواسعة النطاق. لقد كانت الدول الرئيسية للتجارة – أسبانيا والبرتغال وهولندا وإنجلترا وفرنسا – قادرة على تحقيق ربح كبير مع كل خطوة تخطوها فى رحلتها الثلاثية. كما إزدهرت العديد من المدن الأوروبية بمكاسب الصناعات الزراعية التى تم بناؤها ودعمها حرفيا على "ظهور" العبيد الأفارقة.
غالبا ما كانت ممارسة الرق تبرر على أسس إنسانية أو دينية، كما أنها أصبحت مقننة بموجب "قانون السود" سيىء السمعة والذى تم إصداره فى عام 1685. وحدد هذا القانون الفرنسي حقوق وواجبات السادة والعبيد فى مستعمرات الأمريكتين وينص على "إننا نقر بأن العبيد هم ممتلكات متنقلة". لقد أنشأ هذا القانون نظاما تأديبيا قاسيا يتضمن الضرب بالسوط والكى بالنار حتى على الجرائم البسيطة، بيد أن هذا القانون قد تم تصويره أيضا على أنه "منفعة" للعبيد ضد إساءات سادتهم كما تضمن بندا خاصا بالعطلات الدينية، والعبادة الكاثوليكية القسرية، والتسامح مع الزيجات المختلطة وتأييد المحافظة على كيان الأسر.
إلغاء تجارة الرقيق عبر الأطلسى
مع أواخر القرن الثامن عشر، تزايد نمو المعارضة الأخلاقية والسياسية لتجارة الرقيق فى كل من بريطانيا والولايات المتحدة، إضافة إلى مناطق أخرى فى أوروبا. لقد كانت بعض الجماعات كجماعة "كويكرز" فى أمريكا الشمالية وجمعية القضاء على تجارة الرقيق" فى بريطانيا مفيدة فى رفع الوعى العام بتجارة العبيد عن طريق المناشدات العامة وحملات المقاطعة ونشر مواد إعلامية تصف وفى بعض الأحيان تصور الظروف المعيشية للعبيد على متن السفن التجارية أو العاملين منهم فى المزارع.
كما ثار العبيد ضد إستعبادهم، وبرز ذلك جليا فى هايتى فى الثورة التى إستمرت من عام 1791 إلى 1804. لقد شكل هذا الحدث وحده نقطة تحول واضحة فى تجارة الرقيق حيث بدأت القوى الاستعمارية تدرك مدى المخاطر السياسية والعسكرية لمثل هذه الثورات. لقد شكل هذا العامل، إلى جانب الأصوات المتعالية لحركة القضاء على الرق والظروف الاقتصادية المتغيرة التى كان لها أثرها فى خفض الأهمية الاقتصادية لبعض المستعمرات الأوروبية، بداية نهاية تلك التجارة عبر الأطلسى.
قبل دلك بقرنين وفى أوائل آذار/مارس من عام 1806، وقع رئيس الولايات المتحدة آنذاك، توماس جيفرسون، على تشريع يقضى بإلغاء تجارة الرقيق. وبنهاية نفس الشهر، قام البرلمان البريطانى، مدفوعا بمجهودات دعاة إلغاء الرق وليام ويلبير فورس وجيمس رامساى وجون ويلسى، بحظر تجارة الرقيق فى أنحاء الإمبراطورية البريطانية. وهكذا انحسرت تلك الممارسة.
وفى أعوام متتالية حذت بلدان أوروبية أخرى نفس المسلك فى إصدار قوانين تحظر الرق، إلا أن الأمرإستغرق 80 عاما أخرى حتى تندثر أخيرا تجارة الرقيق عبر الأطلسى وذلك بإلغاء كوبا والبرازيل للرق فى عامى 1886 و1888 على التوالى.
الميراث
إن ميراث تجارة الرقيق عبر الأطلسى هو موضوع جدل كبير. إذ مما لاشك فيه أنها قد تسببت فى هدم قدر لا يستهان به من لغة وثقافة ودين ملايين الأفارقة المستعبدين. إن ترحيل مثل هذه الأعداد الكبيرة من البشر من أفريقيا قد تسبب فى تعطيل الإقتصاد الأفريقى ويرى بعض الباحثين أنه قد تسبب فى وضع أفريقيا فى حالة من الحرمان الدائم مقارنة بباقى أنحاء العالم. وما يعد أيضا مثار جدل هو أن قضية الرق قد أعادت تعريف الأفارقة للعالم، مخلفة إرثا من العنصرية وتنميط الأفارقة على أنهم الأدنى.